"سوريا بلدي، وهذا شعبُه": مقابلة مع المونسينيور حنا جلوف، النائب الرسولي في حلب للاتين

“La mia Siria, il Suo popolo”: intervista a mons. Hanna Jallouf, Vicario apostolico di Aleppo dei latini

جلوف، الفرنسيسكاني التابع لحراسة الأرض المقدسة، أسقفاً ليتولى منصب النائب الرسولي في حلب للاتين، حيث ستمتد ولايته القضائية على جميع الكاثوليك التابعين للطائفة اللاتينية في سوريا. بعيونه الزرقاء العميقة، وُلد الأب حنا قبل 71 عامًا في القنية، في شمال سوريا، وهي الأرض التي أصبحت اليوم في أيدي المتمردين المناهضين للحكومة. منذ اندلاع الحرب، ورغم المخاطرة بحياته، لم يرغب الأب حنا أبدًا في ترك أبناء شعبه، الذين أصبح بالنسبة لهم نقطة مرجعية، ليس فقط لحل المشاكل الطارئة، ولكن أيضًا للحفاظ على إيمانهم ورجائهم حياً، وسط تلك الحرب التي وضعت هذا الإيمان وهذا الرجاء على المحك. واليوم، بعد أشهر قليلة من وقوع زلزال مدمر ومع استمرار الحرب، التي لربما تكون أقل قسوة، لكنها لا تزال مستمرة، يغادر الأب حنا القنية للقيام بمهمة جديدة. "صليت وسمعت الرب يقول لي: هذا الشعب شعبي، هذا القطيع هو قطيعي، إنه ليس لك. أريدك في مهمة أخرى".

يروي لنا الأب حنا في هذه المقابلة قصته وبعض ما يختص بمهمته الجديدة.

 

كيف تلقيت نبأ تعيينك أسقفاً من قبل البابا فرنسيس؟

لم أكن أتوقع ذلك. لقد كنت مستغرقًا تمامًا في كل الالتزامات والصعوبات التي واجهناها بعد الزلزال. لكن الرب قرر أن يدعوني لمهمة أخرى. لم أقرر ما إذا كنت سأقبل أم لا، كان من الصعب علي أن أترك شعبي. صليت وسمعت الرب يقول لي: "هذا الشعب هو شعبي، هذا القطيع هو قطيعي، وهو ليس لك. وأريدك في مهمة أخرى." لذلك قبلت هذا التعيين.

Miniatura

يختار كل أسقف "شعارًا" له، وهي جملة تحدد الروح الذي سيؤدي به رسالته. وأيضًا صورة درع يشير بالأشكال والرموز إلى الأصل والمنطقة التي ينتمي إليها الأسقف، وأيضًا لمرجعياته الروحية. ماذا اخترت أنت؟

لقد اخترت باللاتينية شعاري: "Sicut qui ministrat": “كالذي يخدم” (لوقا 22، 27). إنها الكلمات التي قالها الرب لتلاميذه في العشاء الأخير. بالنسبة للدرع: هناك الصليب، الذي هو مجدنا، وإن خلاصنا يأتي من صليب الرب. وقد قسّمت الدرع إلى أربعة حقول. وفي الأعلى، أردت أن أضع الرمز الفرنسيسكاني (إلى اليمين) ومن ثم صليب الأرض المقدسة (إلى اليسار) اللذين يشيران إلى أنني أنتمي، بالترتيب، إلى الرهبنة الفرنسيسكانية وإلى اقليم الحراسة. أما في الجزء السفلي، إلى اليمين، فقط وضعت خريطة سوريا على خلفية حمراء، ترمز للون الدم، وفي الوسط حمامة، ترمز للسلام؛ ووضعت على اليسار شجرة زيتون، رمز محافظة إدلب التي أتيت منها، والتي تشتهر بزراعة أشجار الزيتون. في المركز، حيث تلتقي الحقول الأربعة، وضعت رمز مريم العذراء (حرف M، على أرضية زرقاء) واضعاً بذلك كل شيء تحت حمايتها.

لماذا اخترت يوم 17 أيلول موعدًا لرسامتك؟

اخترت هذا التاريخ لأنه يوم عيد جراحات القديس فرنسيس. أصلي كي يتمكن دم المسيح من شفاء سوريا التي مزقتها الحرب وشرذمها الزلزال، وأن يمنحها السلام العادل والخلاص المقدس.

كيف تصف وضع الكنيسة في سوريا؟ كم هو عدد المسيحيين في البلاد؟

قبل الحرب، كان المسيحيون يشكلون ما يقرب من 17% من سكان سوريا. واليوم، وبعد 11 عاماً، هاجر منهم الكثيرون. في محافظة إدلب، على سبيل المثال، كان هناك 10000 مؤمن مسيحي، واليوم هناك حوالي 700 عائلة، أي بالكاد 8% من السكان. وربما لم يتبق سوى 3-4% من السكان المسيحيين في سوريا.

ما هي التحديات التي يجب على الكنيسة مواجهتها في سوريا؟

التحدي الأول هو: أن نمنح "الأطفال" الشجاعة؛ لأن الحرب كادت أن تُفقد المسيحي أيضًا معنى الحياة. تنقسم سوريا اليوم إلى قسمين: جزء تحت سيطرة الحكومة الرسمية، والآخر تحت حكم المتمردين – حيث كنت في محافظة إدلب. وربما اختارني الرب لأنني من القلائل الذين يحترمهم الطرفان. ربما أستطيع المساعدة في تهدئة الجانبين. إنها ليست رسالة خاصة بي وحدي، بل هي رسالة فرنسيسكانية. في آخر لقاء لي مع زعيم الثوار، تحدثت معه عن اللقاء بين القديس فرنسيس والسلطان مالك الكامل في مصر قبل 800 عام. والنتيجة هي أنه، ومنذ ذلك الحين، أصبح الفرنسيسكان يتمتعون بامتياز حراسة الأماكن المقدسة، وذلك يشمل الأشخاص الذين يزورونها والأشخاص الذين يعيشون فيها. طلبت منه ضمان حقوق المسيحيين والتعايش السلمي. التحدي الآخر يتعلق بالكنيسة نفسها. أول شيء سأقوم به هو زيارة جميع الرعايا والجمعيات الرهبانية العاملة محليًا، للتعرف على احتياجاتهم. أريد ألا ينسى رهباننا وكهنتنا أن مسؤوليتهم ليست اجتماعية فحسب، بل هي روحية قبل كل شيء.

لسنوات عديدة، كنت تعيش في شمال سوريا، في وادي نهر العاصي المعروف بأحداثه المرتبطة بالحرب، والذي مازال يقع تحت سيطرة الجماعات الجهادية. ما هو وضع المسيحيين في شمال سوريا؟ وماذا عن العلاقة مع المتمردين؟

عندما سمعوا بتعييني كانوا فخورين. ولم يتوقع أحد أن يُعيَّن شخص في مثل هذا المكان المهجور أسقفًا على سوريا كلها. أرسل لي المتمردون وفداً لتهنئتي بتعييني. من ناحية، كان مسيحيونا سعداء، ومن ناحية أخرى، كانوا خائفين وحزينين بعض الشيء لأنني يجب أن أترك كل شيء، وأنا بالنسبة لهم نقطة مرجعية تمنحهم شعوراً بالأمان والشجاعة. كثير من الناس يرغبون في القدوم إلى حلب لرسامتي لكنهم لا يستطيعون ذلك، لأن طرق الاتصال مقطوعة بين شمال سوريا وبقية البلاد.

بعد أيام قليلة، تحل الذكرى العاشرة لمقتل الأب فرانسوا مراد، الذي لجأ إلى رعية الغسانية اللاتينية، التي تقع تحت رعاية الفرنسيسكان. هل دم الشهداء هو حقاً بذار لمسيحيين جُدد؟

عندما تكون هناك ثورة، في بدايتها هناك شهداء كثيرون، ووفيات كثيرة، ودماء كثيرة. وفي سوريا أيضاً، كانت الثورة في بدايتها دموية جداً، وتأثر المسيحيون بها بشدة؛ قُتل العديد من مسيحيينا. لكن شهادتنا كمسيحيين غيرت كل شيء. قال الرب "أحبوا أعداءكم". وعندما رأت هذه المجموعات من المتمردين أننا لم نحمل السلاح ضدهم، فإننا نحبهم رغم كل ما فعلوه، وأننا مخلصون، تغير سلوكهم أيضاً. وفي عام 2013 قُتل الأب فرانسوا مراد. كذلك تم اختطافي وسجني في عام 2014. واليوم يرسلون لي وفداً ليهنئني بتعييني..

Miniatura

كيف تعرفت على الحياة الفرنسيسكانية واعتنقتها؟

في سوريا، تم إئتمان كافة الرعايا لعناية الآباء الفرنسيسكان. نلت المعمودية على يد الفرنسيسكان وكبرت بينهم. في السنة الأخيرة من المرحلة الإعدادية، التقيت بالأب إبراهيم يونس، وهو أيضًا من القنية. بدأت أرى ما فعله، ذهبت معه لزيارة المرضى ورأيت مدى مشاعر الحب والشجاعة والحنان التي بها يوزع المساعدات الإنسانية. فقلت لنفسي: لماذا لا أصبح فرنسيسكانيًا أيضًا؟ عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري، التحقت بالمدرسة الثانوية في حلب، وبعد امتحاناتي النهائية في الثانوية العامة غادرت إلى روما حيث أتممت دراستي الأولى. ثم درست اللاهوت في بيروت ولكن مع اندلاع الحرب اللبنانية (1975) واصلت دراستي في أسيزي. هناك، واصلت الاستقاء من مصادر الروحانية الفرنسيسكانية، أي الحياة الروحية للقديس فرنسيس، وتمت رسامتي كاهناً في دمشق عام 1979.

ما هي برأيك النقطة الأكثر أهمية في الكاريزما الفرنسيسكانية بالنسبة لسوريا ولمهمتك الجديدة كراعٍ؟

كان القديس فرنسيس يفكر دائمًا في بُعد العمل وبعد الصلاة. إنهما خطان يجب أن يعملا معًا. هذا هو الطريق الصحيح لإنقاذ سوريا وتقديم الشهادة للعالم عن حياتنا الفرنسيسكانية.

هل هناك دعوات للكهنوت والحياة الرهبانية؟

هناك دائما القليل من الذهب في الطين. حتى في الحرب يرسل الرب دعوات. والآن، من القنية وحدها، لدينا خمسة فتيان يقومون بتحضير أنفسهم للكهنوت لدينا نحن الفرنسيسكان. نشكر الرب الذي في الحرب، ورغم كل شرورها، يستمر في جعل الدعوات مزدهرة.

يعرف الكثير من المسيحيين سوريا فقط من خلال "طريق دمشق". ما هي الكنوز التي تحملها سوريا للمسيحيين؟

دُعي المؤمنون مسيحيين للمرة الأولى في سوريا، وفي أنطاكية بالذات. لقد أعطت سوريا للكنيسة العديد من القديسين، أشهرهم القديس يوحنا الدمشقي، وأيضاً القديسة تكلا، وكذلك ثمانية من باباوات روما. إنها أرض خصبة للمسيحية! لدينا أول مزار مكرس للسيدة العذراء مريم في صيدنايا. لدينا كذلك بيت القديس حنانيا. لقد حدث اهتداء القديس بولس هنا في دمشق. تدور أحداث قصة أيوب في جنوب سوريا بينما ازدهرت الرهبنة في الشمال، ولا سيما تجربة الرهبان العموديين. وكان القديس مارون أيضًا سوريًا لجأ إلى لبنان! سوريا أرض مقدسة، يقدسها الرب ومؤمنوه.

هل هناك صلاة ترددها في هذه الأيام قبل رسامتك؟

إن الصلاة التي أرددها كل يوم هي ترنيمة للروم الكاثوليك تقول:

"يا رب القوات كن معنا
ليس لنا في الاتراح معين سواك يا رب القوات ارحمنا".

Marinella Bandini

معرض الصور

أخبار ذات صلة

< Torna a tutte le News
ابق على اتصال

اشترك في النشرة الإخبارية لتبقى على اطلاع على آخر المستجدات

Subscription Form AR

@custodiaterraesanctae

© 2024 Custodia Terrae Sanctae | P.IVA: 01137691000 e CF: 02937380588 |
Privacy Policy
-
magnifiercrosschevron-downchevron-leftchevron-right