.news-hero{position:relative;display:flex;gap:2rem;z-index:2}@media (max-width:768px){.news-hero{flex-direction:column}}.news-hero .single-news-hero{display:flex;flex-direction:column;gap:0.5rem;width:50%}@media (max-width:768px){.news-hero .single-news-hero{width:100%}}.news-hero .single-news-hero img{width:100%;height:20rem;object-fit:cover}.news-hero .single-news-hero span{font-size:0.8rem;color:var(--oxy-grey);font-weight:400}.news-hero .single-news-hero .post-title h3{font-size:1.5rem;font-weight:400}.news-hero .single-news-hero .post-title:hover h3{color:var(--oxy-red)}.news-hero .single-news-hero a{color:var(--oxy-red)}
"نرفع صلاتنا اليومية، منذ بداية الحرب، من أجل حلول السلام في سوريا. نعيش وكلنا أمل بأن تستمر الأمور وأن تتغير الصعوبات التي نواجهها اليوم". هذا ما أكده الأب عاطف الفلاح، وهو أحد الرهبان الفرنسيسكان التابعين لحراسة الأراضي المقدسة، والذي يضطلع بمسؤولية الدير والمزار الذي يضم بيت القديس حنانيا في دمشق. وفي الأول من تشرين الأول، احتفلت الكنيسة في دمشق بعيد القديس حنانيا. وبهذه المناسبة، أقيمت الذبيحة الإلهية في المزار الذي يسهر الآباء الفرنسيسكان على حراسته، وهو يقع داخل أسوار البلدة القديمة جنوب سوريا.
تظهر شخصية القديس حنانيا في الكتاب المقدس في سفر أعمال الرسل (أعمال 9: 1-26؛ 22: 4-16)، وهو يلعب دورا مهماً، إذ عهد إليه بمنح المعمودية للقديس بولس بعد توبته. وقد أوضح الأب عاطف قائلاً: "يجعل التقليد المسيحي الشرقي القديس حنانيا من بين التلاميذ الإثنين والسبعين الذين ذكرهم القديس لوقا (10: 1) وهو احد الذين وصلوا إلى دمشق عقب رجم القديس اسطفانوس. وكان القديس حنانيا أول أسقف على دمشق وأول شهيد في دمشق أيضاً". وقد قام بتوقيفه الحاكم ليتشينيوس، وحكم عليه بالموت أثناء تبشيره بالإنجيل في سوريا. تم نقل رفاته بعد ذلك إلى روما، حيث يتم الحفاظ عليه حتى اليوم في كنيسة القديس بولس. أما في دمشق، فهنالك ما يُعتقد بأنه البيت الذي سكن فيه حنانيا وهو يتكون من غرفتين يتم الوصول إليهما من خلال سلم مكون من ثلاثة وعشرين درجة. أما سبب الإرتفاع في هذا الجزء من مدينة دمشق، فهو تراكم الكثير من الحطام.
وتشير بعض الشهادات القديمة إلى أن بيت حنانيا قد أصبح منذ البداية محطة يقصدها الحجاج، ويصلي فيها المسيحيون الأوائل، وقد دفع ذلك الأمر بالامبراطور أدريانوس إلى بناء معبد وثني هناك – كما كان يفعل في كثير من الأماكن المقدسة المرتبطة بحياة يسوع-، وذلك منعاً للمسيحيين من تكريم هذه الأماكن. يقوم البيت على مخلفات الكنيسة البيزنطية المدعوة بكنيسة الصليب المقدس. وقد أُنشئت هذه الكنيسة ما بين القرنين الخامس والسادس، حيث تم اكتشافها أثناء حملات التنقيب عن الآثار التي نظمها الكونت ايوستاش دي لوري في عام 1921.
نعلم اليوم، من شهادة الكاهن الفرنسيسكاني الأب بوجّيبونسي، التي تعود إلى عام 1347، كيف تم تحويل الكنيسة إلى جامع، وأنها أعيدت من جديد للمسيحيين في وقت لاحق. وبحسب الكاتب العربي ابن شاكر، فإن الخليفة الوليد الأول، قام بمنحها للمسيحيين عوضاً عن كنيسة القديس يوحنا المعمدان التي أصبحت جزءاً من المسجد الأموي، وهو اليوم أهم مكان مخصص للعبادة في دمشق. أصبح بيت القديس حنانيا على مر العصور مكاناً يكرمه المسيحيون والأتراك على حد سواء، وفقاً لشهادة الراهب الفرنسيسكاني أنطونيو دي كاستيلّو، الذي يقول: "يسهر الأتراك على حراسة المكان، ويحافظون فيه على العديد من القناديل مضاءة".
في نهاية القرن الثاني عشر، تحول بيت القديس حنانيا من جديد إلى مسجد، حتى استعادته حراسة الأراضي المقدسة من جديد في عام 1820. تم بناء الكنيسة مرة أخرى في عام 1867 (حيث تم تدميرها في عام 1860)، وتم أخيراً تجديدها في عام 1973.
في دمشق أيضاً، وبحسب التقليد، حدثت توبة القديس بولس، وذلك في حي الطبّالة، حيث أنشأ الرهبان الفرنسيسكان التابعون للحراسة كنيسة في عام 1925. وقد تم في عام 1971، وبطلب من البابا القديس بولس السادس، إنشاء مزار للقديس بولس في ذلك المكان، وهو المزار الثاني الذي يسهر الفرنسيسكان في سوريا على حراسته.
من ناحيته، أردف رئيس الدير، الأب بهجت قره قاش، قائلاً: "يقع بيتنا الأم، كرهبان فرنسيسكان تابعين لحراسة الأراضي المقدسة في سوريا، ضمن جدران البلدة القديمة". في دمشق، يقيم ستة من الرهبان يمارسون هناك خدمتهم موزعين على رعيتين، الأولى مكرسة لتوبة القديس بولس والثانية للقديس أنطون البادواني. يكرس الفرنسيسكان ذواتهم هناك لإنعاش الحياة في المزارات والحفاظ عليها، إضافة إلى العناية بالمسيحيين المحليين. وتابع الأب بهجت موضحاً: "توجد اليوم في دمشق 300 عائلة تتبع الطقس اللاتيني. إلا ان الغالبية ممن مكثوا هم من كبار السن؛ فقد غادر العديد من الشباب البلاد خلال سنوات الحرب".
وتزيد الصعوبات الناتجة عن جائحة كورونا من خطورة الأوضاع الصعبة في سوريا، وذلك رغم صعوبة تحديدها بدقة بناءً على المعطيات الرسمية، بسبب ندرة أعمال المسح التي بالإمكان القيام بها. "أُصبت في دمشق، خلال شهر آب، بفايروس كورونا مع ثلاثة من الرهبان، ولكننا بنعمة الله شفينا. للأسف توفي اثنان من الرهبان في دير حلب".
أضحت الحياة في دمشق اليوم صعبة للغاية. وقد تابع الأب بهجت قائلاً: "أضحى الوقود نادراً، وهنالك طوابير انتظار قد تصل إلى عدة كيلومترات أمام محطات الوقود. تسود من حولنا مشاعر قوية من اليأس، وينتظر الكثيرون إعادة فتح الحدود لأجل الهرب. أصيب الناس بالإعياء. وحيث بدأ يقترب فصل الشتاء الآن منا، فإننا نعلم بأننا سنضحي بأمس الحاجة إلى الوقود للتدفئة. ينقطع التيار الكهربائي باستمرار. وكذلك فقد تم تخفيض كميات الخبز الذي تقوم الدولة في سوريا بتوزيعه مباشرة. أضحى البلد عاجزاً عن النهوض من جديد اقتصادياً، بسبب العقوبات المفروضة عليه، وقد فقدت الليرة السورية الكثير من قيمتها، بينما ارتفعت أسعار السلع. لا يرى الناس أفقاً امامهم، وإننا نجد أنفسنا في حالة من الطوارئ تفوق في شدتها تلك التي عرفناها أثناء تفجيرات الحرب. كذلك فإن الأزمة التي يمر بها لبنان قد أثرت هي الأخرى على سوريا، حيث أن العديد من السوريين يعملون في لبنان، ولذلك يوجد اليوم كثيرون ممن لا يستطيعون تقديم المساعدة لعائلاتهم. كانت تمر المساعدات كلها من خلال لبنان أيضاً، إلا ان لبنان اليوم أضحى جاثياً على ركبتيه".
أمام هذا القدر من الآلام، يحاول الفرنسيسكان التابعون لحراسة الأراضي المقدسة، وبفضل المساعدة التي تقدمها منظمة الأرض المقدسة غير الربحية (aiuto della Ong Pro Terra Sancta)، تقديم بعض المساعدة للشعب، من خلال مركز الطوارئ الذي يعمل منذ أربع سنوات لمساعدة 400 عائلة على تأمين طعامها. يتم كذلك تأمين الدواء لحوالي 300 مريض، إضافة إلى مساعدة من يخضعون لعمليات جراحية. يتم كذلك تخصيص بعض المبالغ الصغيرة لدعم الطلبة الجامعيين، إضافة إلى المساهمة في تأمين كميات من الحليب للرضع وتنظيم دورات في الإدارة البيتية أو الإنخراط في سوق العمل. كذلك يعتبر أمراً أساسياً تأمين دورات في المساعدة النفسية للأطفال والمراهقين، ودورات في الموسيقى للشباب.
من ناحيته أقرّ الأب بهجت قائلاً: "يبدو كل شيء صعباً. ومن الصعب المحافظة على الأمل. تحدثت في لقائي الأخير مع معلمي التعليم المسيحي، بكل وضوح. فأن نضع أملنا في إمكانية ان يطرأ تحسن على الأحوال، يبدو أمراً بعيداً عن الواقع حالياً. لا يمكننا أن نفعل شيئاً سوى أن نعتبر حضورنا رسالة علينا أن نعيشها، والثمن هو حمل صليب ثقيل للغاية. لا يستثني الأمل واقع الألم، بل يضمّه اليه بشكل من الأشكال. يبقى علينا في المقابل أن نعمل أمراً ملموساً، بوسعنا من خلاله أن نقول للشباب امكثوا هنا".
وقد تابع هذا الراهب التابع للحراسة في دمشق قائلاً: "نحن اليوم نحتاج إلى كل شيء". ولكن يبقى من المهم فوق كل شيء الاستمرار في التحدث عن سوريا. وتابع الأب بهجت قائلاً: "غالباً ما تغيب عن ذاكرة الناس المسألة السورية، وقد يتم تناقل الأخبار بطريقة منحازة. أرغب لو استطعنا التحدث مزيداً عن الجماعة المسيحية في سوريا، والتي هي أقدم الجماعات المسيحية في العالم. كما اننا بحاجة إلى مجتمع دولي يعمل على إعادة ادراج سوريا على الساحة الدولية. فكيف لنا أن نعطي أملاً، ما لم يكن بالإستطاع إعادة بناء هذا البلد؟ بإمكانكم مساعدتنا من خلال الصلاة والمساعدة الاقتصادية (sostegno economico) والمساعدة المعنوية".
Beatrice Guarrera