شجر الزيتون في الجتسمانية ممتلئ بالحياة | Custodia Terrae Sanctae

شجر الزيتون في الجتسمانية ممتلئ بالحياة

يكرمها الحجاج، ويعجب بها السائحون. يقدر عمرها بألفي عام. انها أشجار الزيتون في بستان الجتسمانية. خلف سياجها، تعبر الأيام المريحة والسعيدة التي استحقت أن تكون عمرها. تحميها الأسوار التي تحيطها، ترى عشرات الآلاف من الحجاج يمرون في كل عام. أيدي وأذرع تمتد –رغم السياج المحيط- لكنها تبقى في سلام أمام التقوى القوية التي يظهرها الحجاج الراغبون باقتطاع "القليل" من أغصانها.

يدعي الحجاج المحتالون أن بالنسبة لمثل هذه الأغصان الجميلة، إذا نقص فرع منها فلن يبان. لكن هنالك الآلاف ممن لهم ذات الفكرة السيئة، ولن تكفي الأغصان مجتمعة لاشباع تقواهم المدمرة ولن تحيى الأشجار فترة طويلة على هذا المنوال. فهل عاشت كل هذه السنين حتى تكون نهايتها تحت قبضة غارات الحجاج غير الواعين المتكررة؟ أن لا يتم لمسها، تكون هكذا أكثر تكريما ومكرمة بشكل أفضل.
لكن في هذا الصباح من شهر تشرين الثاني، تنتفض، وتطرب وتفرح هذه الاشجار أمام هذه الغارة التي شنت عليها. انه يوم عيد. هن، العجز القدامى، يظهرن كل ما فيهن من قوة. يقدمن الثمار التي أثقلتها منذ عدة أسابيع. على أنظار المارة المتعجبين، عملت طوال العام بصمت على اعدادها. اليوم، يشاركن قي الضحك وفي المناقشات ويعطين فيض زيتونهن.

بحسب التقليد، فان قطف الزيتون في الأرض المقدّسة يتم بعد أول موجة مطر. وبالرغم من مقياس المطر الضعيف في القدس – لم تمطر سوى 4 إلى 5 مرات منذ شهر أيلول- إلا أن جماعة الحياة الجديدة ( New life), من الناصرة، همّت في العمل، بمناسبة حفل قطف الزيتون هذا الاستثنائي. انهم خمسة ولهم جزيل الشرف أن يقوموا بقطف الزيتون. يهزون ويداعبون الأغصان كي يجنوا منها الثمار. يتصلقون هذه الاشجار الألفية والتي عقدت جذوعها من القدم مستعدة بسهولة لخوض هذه اللعبة.

هناك ثمانية آخرون، هم من العمال، مسيحيون ومسلمون، الذين أخذوا مكانهم في العمل. "قاموا بقطف الزيتون، كما ولو كانت تلك أشجار زيتون عادية. نحن نقوم بهذا العمل في الفرح والصلاة"، يوضح نبيل، المتكلم باسم الجماعة. "طلبنا من الفرنسيسكان، القيام بقطف الزيتون هذا، لأنه علامة على تجسدنا ونحن الذين نعيش في الناصرة، نعيش في هذه الروحانية، روحانية التجسد. في الناصرة، قالت مريم "نعم"، "لتكن مشيئتك". هنا في هذا البستان، قال يسوع "نعم"، لتكن مشيئتك". هاتين النعمين، وهذا التسليم الكامل لإرادة الله، استحقت لنا الخلاص.
ان روحانيتنا ترتكز على هذه الجملة من انجيل القديس يوحنا: "ليس من حب أعظم من حب من يبذل نفسه في سبيل أحبائه". جئنا نجسد، ليس فقط بطريقة روحية، في هذا المكان المقدّس، هذه الرغبة في أن نعطي ذواتنا، حتى آخر قطرة، كما سيعطي الزيتون كل زيته."

الحياة الجديدة، هي جماعة تتكون من عرب مسيحيين من مختلف الطوائف. من خلال سر التجسد، يعملون ويصلون من أجل وحدة الكنيسة. وحدة دون تشويش وخلط، لكل واحد احترامه في هذا التنوع في الطقوس والاحتفالات التي يحيونها بترانيمهم، مندمجين دائما في تقليد الكنيسة التي تقوم باستقبالهم. يجعلون من أنفسهم كل شيء من أجل الكل، لأنهم يشعرون في كل مكان أنهم في بيتهم. هم الذين يحيون أيضا صلاة الدورة الأسبوعية، يوم السبت مساء في بازيليكا الناصرة، ترافقها الجماعة البرازيلية "شلوم". وعند منتصف النهار، يتوقف نبيل، ودنيس، ونسرين، وسامية وفرح عن العمل. مشكلين دائرة حول احدى الأشجار، مرنمين صلاة التبشير الملائكي، وهي صلاة لها وقع خاص في قلوبهم.

لا يصدق الحجاج المارون أعينهم، ولا يكفون عن التصوير. لا، فالأرض المقدّسة ليست متحفا، انها مكان حيث توجد الحياة، وأي حياة!
وجب مرور 5 أيام حتى ينتهي قطف عشرة من أشجار الزيتون الخاصة بهذا البستان الصغير. انها ليست الأشجار الوحيدة التي تملكها حراسة الأراضي المقدّسة في سفح هذه التلة. فقبل أيام قليلة، قام اعضاء من الجماعة المسكونية للاهوت التحرير الفلسطيني (سبيل)، بقطف الاشجار الواقعة في البستان الذي يقع على الجانب الآخر للشارع، والذي يستقبل عددا من الجماعات البروتستانتية لاحتفالات يُأدّونها في الهواء الطلق، كما وهناك أيضا تلك الأشجار الخاصة "بروميتّاجيو". .
ماذا سيُفعل بكل هذا الزيت؟ قدرها يختلف من حيث أن مصدرها الأشجار القديمة أم سائر أشجار الملكية. فهذه الأخيرة، سوف يتم عصرها في معصرة الزيتون الخاصة بدير الآباء السيسترسيين (الترابيست) في اللطرون، وسيستخدم زيتها لاضاءة قناديل المزارات المقدسة. أما عجم الزيتون الذي يأتي من بستان الزيتون نفسه، فإنها تستخدم في صنع المسابح من قبل بعض العائلات في بيت ساحور، والتي يقدمها الأب الحارس فيما بعد إلى بعض الحجاج ذوي الاعتبار الخاص. أما عمل تفريغ الزيتون من عجمه، فيتم يدويا بالكامل. وما يبقى من الثمرة، فيتم استخراج ما به من الزيت ليقدم في قارورات صغيرة. انها كنوز مرغوب بها جدا.

في الممرات المحيطة ببستان الزيتون، يستجدي الحجاج غصن زيتون، أو ثمرة زيتون، أو ورقة من شجر الزيتون، مِن مَن يرونهم يعملون في العقار المسور المقدس. لكنهم يُقدَّرون بالمئات، لا بد من الرفض للجميع. يعمل حُجَّاب الموقع على السهر بدون توان أمام آمال الحجاج الكبيرة، حتى يستطيع من يأتي بعدهم أن يكون لهم الفرح في تأمل أشجار مليئة بالحياة. في الشارع، كان أمل شاب صغير هو أن يبيع ما بحوزته من الأغصان المفرغة، التي يعلم الله وحده من أين جاء بها، مقابل بعض قطع من النقود.

ماري أرميل بوليو