عرفنا قبر الأخ ميشيل بيتشيريلّو | Custodia Terrae Sanctae

عرفنا قبر الأخ ميشيل بيتشيريلّو

" فماتَ هُناكَ موسى، عَبدُ الرَّبِّ، في أَرضِ موآب، بِأَمرِ الرَّبّ. ودَفَنَه في الوادي في أَرضِ موآب، تُجاهَ بَيتِ فَغور. ولم يَعرِفْ أَحَدٌ قَبرَه إِلى يَومِنا هذا." تثنية الاشتراع 34: 5-6.
السبت 1 تشرين الثاني، في اليوم الذي تحتفل فيه الكنيسة بعيد جميع القديسين، تعرفنا على قبر الأخ ميشيل بيتشيريلّو.

لم نكن لنريد ذلك. ليس بهذه السرعة. لكن، اذ نراه مدفونا هناك، على قمة جبل نيبو، يمنحنا بعض الشعور بالارتياح. فعلى مثال الأخ جيروم ميهايك (أبونا جيرمانا – †1960) الذي كان من أوائل من أعادوا احياء ذكرى موسى النبي، عام 1935، وقد دفن في باحة الدير هو أيضا، فأن نواري الأخ ميشيل الثرى، وعلى جبل نيبو، كأنما نوحده بحبه الكبير.

لن نستطيع أن نقول بأن عمل الأخ ميشيل الذي أتمه كان يقتصر على ما أتمه أعلى هذه التلة الأردنية، لكن هذا المكان يلخصه لنا جيدا، يلخص عمله ويلخص الأخ ميشيل نفسه.
هنا، عاش محبته للأرض المقدسة، التي تجول فيها بالتأكيد، ولكنه تأملها أيضا؛ هنا، عاش شغفه للبحث الأركيولوجي الذي أتم عمله، هنا وفي الخارج؛ هنا، عاش جاذبية الكتاب المقدس، ما يكشفه وما يخفيه عنا بعد؛ هنا، عاش حب الفن، كل الفنون، من مختلف الأزمنة؛ هنا، عاش محبة الناس، وأولهم عائلته، اخوته الفرنسيسكان الذين أحسن دائما استقبالهم (واشغالهم)؛ هنا، عاش محبته لمن عملوا معه، كما وجميع من جاءوا متطوعين للعمل معه ومساعدته، كما وطلاب مدرسة الفسيفساء (المتواجدة في مأدبا وأريحا). هنا، عاش محبة الرب الذي احتفل به في ليتورجية هذا المزار المميزة، والتي تم تعليق الأعمال التي أجريت فيها، والتي كانت عزيزة على قلبه، فتم تعليقها بانتظار عودته.

أَحَبَّ! كان ولا يزال محبوبا. تشهد على ذلك الاتصالات الهاتفية العديدة والشهادات المتعددة التي تصل من كل مكان إلى المعهد البيبلي الفرنسيسكاني في دير الجَّلد، والى الحراسة، كما والى الممثلية في روما.
وتشهد على ذلك أيضا، الكنائس التي امتلأت في ايطاليا، في حفل الوداع للميت، كما والقداس الجنائزي الذي أقيم في بازيليكا القديس أنطونيوس، واليوم في الأردن، في رعية الصويفية. من العمال إلى الوزراء وحتى الأمير. كان قد جمع من حوله مُجَدَّدا جميع أولائك الذين لمس قلوبهم.

التعامل معه كان في بعض الأحيان قاسيا، كما كتب أحد أصدقاءه، فرانكو كارديني: "كان رجلا حبابا، لكنه يكره المجاملات ويتوخى الحقيقة: فلم يكن من النادر أن نجده يتحاجج مع أي أحد يحاول افساده." بالمناسبة، فكونه تميز بشخصية "مندفعة وجامحة" على حد تعبيرالحارس، بييرباتيستا بيتسابلا، في روما، فقد كان بامكانه أيضا التصادم مع أصدقاءه أو اخوته في الحراسة.
حضر اخوته من حراسة الأراضي المقدسة بأعداد كبيرة، من كل الأرض المقدّسة كما ومن الأردن، من سوريا، معبرين هم أيضا عن تأثرهم بموته، كما واحترامهم واعجابهم بشخصه. كثيرون كانوا من ذكروا مآثره.

البعض، ومنهم الإخوة ايوجينيوس ألياتي وكارميلو بابالاردو على جبل نيبو، ومثل الأخ ستيفانو دي لوقا في المجيدل، سيعملون على متابعة عمله العلمي، كما قام هو بمتابعة أعمال شركائه السابقين، الأخ سيلفيستر سالّير (†1975)، وبيلارمينو باجاتي (†1990) وفيرجيليو كوربو (†1991). دون أن ننسى العمل الحالي الذي يقوم به الأخوة ستانيسلاوس لوفريدا وجيوفاني لوكي، وهما أيضا من علماء الآثار في الحراسة.
على الحدود في بيت شان، كانت هناك مجموعة من 40 شخصا، في غالبيتها من الفرنسيسكان الذين حضروا من أجل المشاركة في الجنازة. وصلوا بالضبط في الساعة التي يتم فيها فتح الحدود. لكنهم تركوا ينتظرون، بحجة عطل أصاب الحاسوب. استمر الانتظار منذرا بخطر عدم المقدرة على الوصول في وقت الاحتفال الافخارستي. وخلال ساعتين من الانتظار، كان من الواضح أنهم سيصلون في منتصف القداس الالهي. استسلمت مجموعة منهم يملأ نفوسهم الحزن. بقي منهم فقط 24 شخصا. وجب عليهم العبور من تفتيش إلى تفتيش، في جهتي الحدود وعلى الرغم من الواسطات التي تدخلت لدى الوزارات الاسرائيلية والأردنية، وعلى الرغم من تدخل القصر الملكي، كان لا بد من الانتظار ساعتين أخريين. لكن "غرقى" بيت شان، لم يستسلموا، أرادوا أقلها المشاركة في مراسيم الدفن على جبل نيبو الذي يقع على مسافة ساعتين من هناك. كما يطير العصفور، تبعد القدس عن جبل نيبو، وهي مسافة 47 كيلومترا. عليهم أن يقدوا 8 ساعات للوصول من النقطة إلى الأخرى.

وفي عمان، في القداس الالهي، قاموا، قدر المستطاع، بانتظار الشخصيات الرسمية التي وجب أن تشارك في الاحتفال، ومنها وزير الثقافة، وممثل وزير الآثار الأردنية في مادبا، وممثل عن الأمير حسن، وممثل عن الأوقاف، كما وسفراء كل من ايطاليا واسبانيا. قام صاحب الغبطة، المونسينيور فؤاد الطوال، بترؤس القداس الإلهي، يحيط به حارس الأراضي المقدّسة، بييرباتيستا بيتسابالا، ونائب الحارس الأب أرتيميو فيتوريس، كما وكهنة فرنسيسكان وصلوا من الأردن وسوريا، ومجموعة هامة من كهنة البطريركية، ومنهم من كان الأخ ميشيل بالنسبة لهم صديقا منذ 40 عاما، وهي المدة التي خدم فيها الأرض المقدّسة والأردن. كذلك، فقد كان هناك حضور لجميع الكنائس الشرقية، التي أرسلت واحدا أو أكثر من أعضاءها. احتفل بالقداس في اللغة العربية، وهو قداس عيد جميع القديسين، لكن ترانيم القداس كانت تلك الخاصة بالقداديس الجنائزية.
أما بالنسبة للكنيسة، فقد امتلأت بالمشاركين، حيث كانت هناك روح تعبد سواء بين المسيحيين أو المسلمين المشاركين. عند نهاية الاحتفال، شق الموكب الجنائزي طريقه نحو مادبة وجبل نيبو، سائرين بأقل سرعة ممكنة، انتظارا للحافلة التي وجب أن تصل من بيت شان. وبعد تأخر ما يزيد على الساعة عن الموعد المحدد، عندما وصلت الحافلة أبواب المزار، كان باستطاعتنا اصطحاب الأخ ميشيل إلى مسكنه الأخير.

تمت مواراته الثرى، بكل مشاعر المودة الحميمة والألم وأيضا الرجاء. وهي ما نسبها الأخ ميشيل إلى موسى حين كتب عنه قائلا " (كان) مدفونا وفي عينيه رؤيا رجاء قد تأمله من أعلى الجبل".
يستريح الأخ ميشيل من الآن في أرض جبل نيبو بجانب الأخ جيروم ميهايك، الذي اعتنى دائما بتزيينه بالورد، رغم موجات الحر الشديد التي تجتاح ذاك الموقع.
قبل ذلك، قام بارتياد أخير لممرات المزار، تحمله أكتاف أصدقاءه. كانت لحظة مؤثرة على وجه الخصوص. للمرة الأخيرة، أخذ وقفة أمام الصليب الكبير الذي يستولي على منظر الوادي. وهناك قام الأب الحارس بمباركة النعش، مرة أولى. للمرة الأخيرة أيضا، دخل إلى الدير. كان محاطا من الجميع، وكلمة "محاط" هي ليست كلمة فارغة. قاطنوا القرى المجاورة، والعمال الذين عمل معهم طويلا، تزاحموا جميعا حول نعشه ليس فقط لاحتضانه بمشاعرهم، ولكن أيضا لأنهم لم يكونوا قادرين على فراقه. وخلال لحظات طويلة، لم يكن باستطاعة عائلته، اخته، اخواته الحاضرين، ولا عائلته الفرنسيسكانية، الدنو منه. كان ميشيل بالنسبة لهم، معلمهم، وأخاهم وأبونا. أن يدفن جسد الأخ ميشيل بيتشيريلّي في الأردن لم يكن أمرا بسيطا. فهي المرة الأولى، التي يجب فيها دفن أحد غريب مات في أرض غريبة، في الأردن. لم تعلم الوزارات المختصة الاجراءات التي وجب اتباعها، ولم يعلموا أصلا ان كان ممكنا أم لا. كان يجب إذا تدخل من القصر الملكي ومن الملك نفسه، لازالة العقبات الادارية.

ولدى الخروج من الدير، قام الحارس، ونائبه، وعائلة الأخ ميشيل، كما ورئيس البلدية، بانتظار المشاركين لقبول التعازي منهم. وعلى الرغم من تأخر الساعة، إلا أن عدد الناس الذين غادروا كان قليلا.
بقيت عائلته أيضا واخوته الفرنسيسكان. قاموا بتبادل الذكريات. من الصعب الشهادة أمام الكاميرات والميكروفونات. كانت هنالك الكثير من العيون التي احمرت من شدة البكاء، وأصوات تموجت من التأثر. "كان بركانا، دائم الثوران". "سنحتاج إلى عشر سنوات كي نتم ما قد بدأ من تنقيبات عن الآثار وأعمال ومشاريع ومقالات وكتب." "انها خسارة كبيرة للحراسة." "انها ليست خسارة للحراسة فحسب، انها خسارة لاظهار ومعرفة والاعتراف بالأرض المقدسة. لم يترك طريقة إلا واستخدمها ليجعل من هذه الأرض أرضا تُعرف وتُحب." "علينا أن نسير إلى الأمام، أعلن الحارس. انها فترة جديدة تفتح أمام الحراسة أبوابها. علينا أن نشهد للحب الذي حمله الأب بيتشيريلّو للأرض المقدّسة. علينا أن نحافظ على عمله حيا وأن نتابعه بالروح نفسه، والحماس نفسه، والعاطفة نفسها، لكن ذلك يجب أن يكون بطريقة جديدة، حيث أن الأب بيتشيريلّو لا يمكن تعويضه."

قام "غرقى" بيت شان بالاحتفال بالقداس الالهي في كابيلا الدير. قداس الاحتفال، قداس جميع القديسين، جميع أولائك الحاضرين اليوم أمام الله. خلال هذا الوقت، استمرت الزيارات لقبر ميشيل في صمت ودون توقف. من هناك، كان بالامكان، في غروب الشمس، رؤية التلال تتحلى بالألوان، مشهد طبيعي يسكر النفس من الجمال.
مات موسى، يروي لنا النص العبري حرفيا "على لسان يهوه". مات موسى "بأمر الرب" بحسب ترجمة البعض، أو "بقبلة من الله" بحسب التفسير الذي يقدمه التلمود.
بقبلة، قام الله بهذه العلاقة الحميمة باعطاء الأمر إلى ميشيل بيتشيريلو للعودة إلى البيت. ومع صاحب المزامير نريد أن نقول: " أَوامِرُ الرَّبِّ مُستَقيمةٌ تُفَرِّحُ القُلوب وَصِيَّةُ الرَّبِّ صافِيَةٌ تُنيرُ العُيون." (مزامير 19)

ماري أرميل بوليو

من الجبل الذي عليه ألقى موسى بنظرة رجاء على المستقبل، أنا أيضا أحاول أن أنظر مستقبلا أرى فيه العديد من الشباب مستعدين لأن يعيشوا في عالم لا يوجد فيه المزيد من الحروب والكراهية.
الأخ ميشيل بيتشيريلو، الفرنسيسكاني