عند قبر لعازر، في بيت عنيا، ما من مكان لليأس | Custodia Terrae Sanctae

عند قبر لعازر، في بيت عنيا، ما من مكان لليأس

في اطار رحل الحجّ التي يقيمها الرهبان الفرنسيسكان خلال زمن الصوم الى الإماكن المقدسة، توجه الرهبان في هذا الأسبوع الثالث من زمن الصوم الى مكانين مختلفين.

فتوجهوا أولاً، وكان ذلك يوم الأربعاء مساءاً، إلى دير الجلد، ويقال له في العاميّة دير حبس المسيح وأيضاً المرحلة الأولى، في مدينة القدس. وترأس الذبيحة الإلهية هناك حارس الدير نفسه، الأب ابراهيم نجيب، بينما ألقى العظة الأب فيتشينسو لوباسّو، معلم الكتاب المقدس لدى المعهد البيبلي الفرنسيسكاني. وقد تحدث الأب فيتشينسو في عظته عن الدور الذي لعبه أنبياء العهد القديم في التنبؤ عن آلام المسيح. أما القراءة الثانية، فقد ركزت الضوء على مفهوم الخدمة، وما معنى أن يكون الإنسان اليوم خادماً لله، مشدّدةً على أهمية أن يتمتع الخادم بصفتين: الأولى أن يكون أميناً، والثانية أن يتمتع بالثّبات. أمّا بخصوص الإنجيل المقدس فقد ألقى الأب فيتشينسو تأملاً عميقاً، قال: "يدعونا الإنجيل إلى عدم الخوف من النظر إلى الألم، واختباره ومواجهته، مهما كان قويّاً. فمتى استطعنا العيش مع الألم ومشاركة الآخرين في آلامهم، ظهر صدقنا، وتبينت أمانتنا للقناعات التي نشهد لها ونكابر بها".

عرف المسيح معنى الألم في حياته، ورأى كذلك الألم في حياة أصدقاءه. هذا ما يشهد له حجّ الرهبان الفرنسيسكان اليوم إلى بيت عنيا، حيث يقع قبر لعازر. ومنذ ساعات الصباح الباكر، وقبل أن تصل المركبات التي تُقِلُّ الرهبان من دير المخلص، احتفل حارس الدير في بيت عنيا، الأب سيرجيو غالدي، بالذبيحة الإلهية في قبر لعازر نفسه، الساعة 6:30 صباحاً.

يقع قبر القديس لعازر في مكان ضيق، يستطيع فقط عدد محدود من المشاركين الدخول إليه. ومن داخل هذا المكان، ألقى الأب سيرجيو عظته التي قال فيها: "لا يحق للمسيحيين الشعور باليأس أمام الموت. قد يكون الفُراق أمراً صعباً ومؤلماً أحياناً، وكذلك الحنين إلى الذكريات الجميلة التي عشناها مع أشخاص أحببناهم وجاء الموت يفصلنا عنهم، لكننا نؤمن بأن في السماء أباً ينتظرنا، ولديه مخطط حبّ لنا."

أقيم في الساعة 7:30 قدّاس الرهبان الذي ترأسه نائب الحارس الأب دوبرومير جاشتال، وألقى العظة خلاله الأب لوقا غراسّي. وفي نهاية الإحتفال، توجه الرهبان في تطواف نحو مدخل قبر لعازر. وكان من المقرر بعد ذلك أن يتوجه الإخوة مباشرة إلى جبل الزيتون، نحو كنيسة الصعود، التي تقع على قمة الجبل المقابل لدير لعازر، على بعد 2 كيلومتراً. لكن الجيش الإسرائيلي قام باغلاق الطريق تماماً، مانعاً بذلك الجميع من العبور، فاضطر الرهبان الى أخذ طريق آخر، وقطع مسافة 15 كيلومتراً كي يصلوا إلى الكنيسة المقصودة. أنهى الرهبان، جسب التقليد، جولتهم الصباحيّة بزيارة كنيسة أبانا.

عاد الرهبان بعد ذلك إلى القدس، بينما مكث في بيت عنيا كل من الراهبين ميشيل ساركوا وأليعازر فرونسكي. الأخ ميشيل هو حارس الدير في بيت عنيا. ومضت سبع سنوات وهو يستقبل الحجاج والزوار الذين يقصدون هذا المكان. وهنا يجدر بنا أن نقول كلمة نحيي فيها صمود هؤلاء الحجاج الذين يصرون على اتباع خطوات المسيح في حياته الأرضية، رغم صعوبة الطريق التي تؤدي اليوم الى بيت عنيا. ويرى الأخ مارتشيلّو تشيشينيلّي أن محافظة حراسة الأراضي المقدسة على حضور لها في هذا المكان، هو أمرٌ غاية في الأهمية. وأوضح لنا الأب مارتشيلو ذلك قائلا: "لقد تمّ في فترة من الفترات عزل بعض القرى، كبيت عنيا، عن الحجاج بشكل تام. لكن الرهبان الفرنسيسكان رفضوا ترك المكان، وقرروا المكوث لا للمحافظة على الحجارة فحسب، بل وللحفاظ أيضاً على ذكرى المسيح في هذه الأماكن. فذكرى المسيح هي أهم ما في هذه الأماكن، وللمحافظة على هذه الذكرى نعمل نحن أيضاً هنا. ليس من خطر في المجيء الى بيت عنيا، كل ما في الأمر هو بعض التعقيدات في الوصول الى المكان. لكن المخاطرة كالدجر هي جزء من السبيل الذي على الحاج أن يسلكه. وكما نرى، فإن صمود الرهبان قد أتى بثمار كثيرة. وليس من اثبات على ذلك أقوى من موقع المعمودية عند نهر الأردن، حيث استمر الرهبان في الذهاب على مرّ السنين، بينما كان المكان لا يزال مغلقاً أمام الزوّار، إلى أن تم فتحه من جديد، وهو اليوم يستقبل أعداداً كبيرة جدّاً من الزوّار."

وتحدث إلينا الأب ميشيل قائلاً: "يصعب تحديد عدد المجموعات التي تأتي الى المكان خلال السنة أو حتى خلال شهر واحد. فهل هم 5000 حاج في الشهر؟ ربما. ما يهم هو أن هؤلاء الحجاج يأتون من كل مكان ليضعوا بعض البهجة في المزار. من ناحيتي، أجد فرحاً خاصاً في استقبالهم." لو افترضنا أن 5000 حاج يأتون فعلاً في كل شهر إلى مزار بيت عنيا، فذلك يعني أن 30,000 إلى 40,000 حاج يدخلون هذا المزار سنويّاً، أي أن الفارق بينه وبين كنيسة المهد في بيت لحم، التي يزورها في كل عام مليوني حاج، هو فرق شاسع جدّاً.

ستبقى بيت عنيا، أو قرية العيزريّة كما يدعوها الفلسطينيون، مفتوحة لإستقبال الحجاج، ولن تستسلم الحراسة لتجربة اليأس بسبب قلة عدد الحجاج الذين يزورون هذا المكان، لأن ذكرى المسيح تبقى حيّة فيه.