بيت لحم تحتفل بفرح بعيد الميلاد المجيد | Custodia Terrae Sanctae

بيت لحم تحتفل بفرح بعيد الميلاد المجيد

فقط عند حلول الساعة 5 مساءا، استطاع الاخوة رهبان حراسة الأراضي المقدسة –الذين جاؤوا بأعداد كبيرة ليستقبلوا

الجمعة 24 كانون الأول، احتفلت مدينة بيت لحم، على مدار 24 ساعة متتالية ودون انقطاع، بعيد ميلاد المسيح الذي تم بين أسوارها قبل ما يزيد بقليل عن 2000 عام.

 

 

يتأمل حجاج بيت لحم على مدار السنة بسر الميلاد، إلا أن يوم الميلاد نفسه هو أمر آخر، كونه الفرح بميلادٍ تمنحه المدينة الى العالم كله للتأمل فيه. تتجه كاميرات العالم كله نحو المدينة، وهي في بهجة كبيرة.

في هذا العام، جالت 23 مجموعة كشفية شوارع المدينة بفرح ودون انقطاع. فمن الساعة 9 صباحا وحتى الساعة 1:30 ظهرا، هيئوا الطريق أمام غبطة البطريرك. انطلق غبطته من المدينة المقدسة قرابة الظهر، وبعد وقفة قصيرة لدى وصوله الى دير مار إلياس وأخرى عند قبر راحيل، دخل الى المدينة، سادا الطريق أمام موكب من السيارات تجاوز عددها 140 مركبة. بالتأكيد، فإن جمال الطقس، والفرح برؤية عدد كبير من الأشخاص والوجوه المألوفة على الطريق، شجعت ولا شك سائقي السيارات على التمهل، وأخذ كل وقتهم في السياقة، ذلك أن السيارة التي تقل غبطة البطريرك كانت قد انطلقت من القدس في الوقت المحدد آخذتا بعين الاعتبار المدة الزمنية اللازمة لكي تصل الى قبر راحيل، إلا أن الجميع يعلم بأنها لن تصل الى ساحة المهد إلا بعد تأخر لا بد منه.

أما الفولوكلور الذي لم يأنف شوارع المدينة منذ ساعات الصباح الباكر، فقد اضطر للتوقف كي يترك مكانا للصلوات المتعاقبة التي أقيمت في كنيسة القديسة كاترينا وفي مغارة الميلاد، بحسب الأوقات التي يحددها نظام الستاتو كوو. ومن الدخول الاحتفالي، الذي رأينا خلاله الأب استيفان ميلوفيتش يستقبل غبطة البطريرك، المونسينيور فؤاد الطوال، أمام "باب التواضع"؛ انتقلنا الى الاحتفال بصلاة الغروب في كنيسة القديسة كاترينا، ومن هذه الى التطواف الذي تحرك نحو مغارة الميلاد، ودون أن يُترك أي وقت ضائع.

 

 في الرعية التي يعتنون بها، وفي المغارة التي يشاركون في حراستها الكنيستين الأرثوذكسية الرومية والأرمنية- أن يحصلوا على وقت ولو قليل من الراحة. في الواقع ليس جميعهم، لأن الاخوة المسؤولين عن الساكرستية قد أخذوا يعدون لآخر الترتيبات الضرورية للإحتفال، وآخرون أخذوا ينقلون المقاعد الطويلة ليعدوا المكان لإستقبال 1900 حاج استطاعوا الحصول على بطاقات للمشاركة في قداس منتصف الليل.

 

لكن، وقبل بداية القداس، وجبت المشاركة، حسب التقليد، بعشاء العيد برفقة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس – أبو مازن، وحاشيته. ترأس الأب الحارس حفل العشاء، والى جانبه غبطة البطريرك.

والصحيح هو أن تدفق الحجاج الكبير الى مدينة الميلاد في هذا العام، قد أمن انفراجا ملحوظا من الناحية الاقتصادية في البلاد. وقد ساهم هذا الانفراج - وعلى الرغم من السياج الأمني ونتائجه البغيضة التي تمس المواطنين وتسبب البطالة- في اقتران المدينة بفرح الميلاد.

عكر صفو هذا الفرح حادثان مؤلمان، أولهما كان الحريق الضخم الذي نشب في جبل الكرمل، وأودى بحياة أخي الكولونيل الاسرائيلي المسؤول عن منطقة بيت لحم، الذي قدمت اليه التعازي جميع السلطات وكهنة الرعايا بالاضافة الى رؤساء بلديتي بيت ساحور وبيت جالا. أما الحادث الآخر، فقد حدث خلال النهار وأودى بحياة 3 راهبات فرنسيسكانيات من أصل 5 راهبات كن على الطريق قادمات من جبل التطويبات نحو بيت لحم.

كان للحادث المروع الذي ألم بالراهبات الفرنسيسكانيات وقع شديد لدى حراسة الأراضي المقدسة التي تحرص على المحافظة على علاقات وطيدة وأخوية بالجمعيات الرهبانية العديدة في البلاد. وهكذا فقد أضاف الآباء الفرنسيسكان الى الأدعية خلال قداس منتصف الليل صلاة رفعوها الى الرب من أجل الراهبات اللاتي توفين وأصبن بجراح خلال الحادث، ولأجل الرهبانية جمعاء.

تميز القداس الإلهي بروح الصلاة والتقوى، وقد ترأسه غبطة البطريرك المونسينيور فؤاد الطوال، والى جانبه أربعة من الأساقفة ومائة من الكهنة الذين شاركوا في التقديس، وبحضور رئيس السلطة الفلسطينية، السيد محمود عباس، وحاشيته، بالاضافة الى القناصل العامين "للشعوب اللاتينية" الأربعة: ايطاليا؛ فرنسا؛ اسبانيا؛ بلجيكا، وجمع كبير من المصلين في غالبيتهم من الحجاج، وبالتأكيد عدد لا بأس به من الرهبان والراهبات المقيمين في البلاد وبعض من المسيحيين المحليين.

يفسح المسيحون المحليون، بكل رحابة صدر، المكان أمام الحجاج، مفضلين الاحتفال بصلاة العيد تامة باللغة العربية، في الرعايا المختلفة كما وفي مغارة الميلاد عينها في تمام منتصف الليل.

ورغم ذلك، فإن صاحب الغبطة يلقي عظته باللغة العربية، تسبقها كلمة ترحيب وتهنئة بالعيد يلقيها بأربع لغات أجنبية، خلال هذا القداس الذي ينقل عبر شاشات المحطات الفضائية الى جميع أنحاء العالم. لكن عددا كبيرا من المسيحيين المحليين، من اللاتين ومن غير اللاتين، تابعوا على شاشات التلفاز مراحل هذا الاحتفال المهيب. بذلك فإنهم قد أصغوا الى رسالة غبطة البطريرك التي دعى فيها الى احترام الحياة، وواجب الاهتمام نحو الأطفال، والسهر على الروح الأسرية.

ذكر غبطته بعد ذلك بأهمية هذا الزمن القوي الذي يعيشه المسيحيون في الشرق الأوسط عقب سينودس الأساقفة، داعيا الى الوحدة بين المسيحيين والى: "تكثيف الحوار مع اليهودية والإسلام، فننطلق من قيمنا المشتركة ونعمل معاً في خدمة الوطن والمواطن. وما أكثر القيم التي تجمعنا مثل التقوى والصلاة والصوم والصدقة وحسن الجوار والامر بالمعروف والنهي عن المنكر."

اختتم غبطة البطريرك عظته بدعوة الى السلام، قال: "أمنيتنا في هذا العيد هي أن ترتفع دقات أجراس الكنائس فتُغطي بألحانها صوت البنادق والرشاشات وآلات الموت في شرقنا الأوسط الجريح. أن ترتسم البسمة على الشفاه، وتدخل البهجة إلى القلوب، أن ترتفع أناشيد الميلاد، وترتفع شجرة الميلاد في قُرانا ومدننا في الأردن وفلسطين وكل الأراضي المقدسة. ترتفع وتزيد ارتفاعاً على كل الحيطان والأسوار. نريد سلاما للشعب الفلسطيني وسلاما للشعب الإسرائيلي. نريد سلاماً واستقراراً وأمناً لكل الشرق الأوسط، بحيث يعيش اطفالهم واطفالنا طفولتهم البريئة، وينمون بجو سليم."

وكما جرى التقليد، فقد اختفى الوفد الفلسطيني عن الأعين مباشرة عقب قبلة السلام، أما الذبيحة الإلهية فقد استمرت ولم تنتهي إلا عند التطواف الذي قام به الكهنة نحو المغارة.

رغم ذلك، فإن احتفالات الميلاد لم تجد حدها هنا. فقد استمرت القداديس تتعاقب في المغارة طوال الليل، وطوال نهار العيد حتى الساعة الرابعة والنصف من بعد الظهر. رتب الرهبان المسؤولون عن الساكرستيا أنفسهم في مجموعات، لليل وللنهار، يعاونهم طلاب دير المخلص، لأجل القيام بهذه الخدمة. احتُفل خلال أربع وعشرين ساعة بأربعين قداسا في المغاور وفي معابد كنيسة القديسة كاترينا المختلفة، وإننا لفي غنى عن أن نذكر القداديس الأخرى العديدة التي أقيمت في مزار حقل الرعاة.

أما قداس النهار، فقد احتفل به باللغة العربية بالكامل، مترأسا اياه من جديد غبطة البطريرك، الذي تقدم اليه الأب مروان دعدس،كاهن الرعية، بالشكر لأجل حضوره كأب حقيقي بين أبناءه، الذين استطاع أن يجمعهم قادمين من مختلف أنحاء البلاد، من الشمال الى الجنوب مرورا بغزة.

لا تنفك ألحان الميلاد وأناشيده تسمع في أنحاء بازيليكا المهد، ورغم أن الصحفيين قد غادروا المكان منذ برهة، إلا أن عيد الميلاد في بيت لحم لن يصل بعد الى نهايته إلا متى احتفلت سائر الكنائس المسيحية بعيدها. سيكون ذلك في 19 من شهر كانون الثاني مع اخوتنا الأرمن.

لكن في هذا اليوم الرمزي، 25 كانون الأول، تتمنى حراسة الأراضي المقدسة عيد ميلاد سعيد ومقدس للجميع.

ماري أرميل بوليو