إطلالة البابا على الشرق الأوسط 14-16 أيلول 2012 | Custodia Terrae Sanctae

إطلالة البابا على الشرق الأوسط 14-16 أيلول 2012

"سلامي أعطيكم" هذا عنوان الزيارة التاريخية التي قام بها قداسة الحبر الأعظم إلى لبنان، و"كلنا بنحبك يا بابا" كان هذا لسان حال اللبنانيين وغير اللبنانيين من سكان الشرق الأوسط قاطبة الذين أحسنوا وفادة الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر، وذلك من خلال زيارة قداسته إلى لبنان والتي استغرقت ثلاثة أيام، وحل فيها ضيفا على كافة مكونات المجتمع اللبناني بطوائفه وأطيافه، بأديانه ودياناته، بأحزابه ومجتمعاته. وكلها خضعت للموقف الرفيع الذي يمليه حضور شخصية عظيمة كالبابا، واتفقت جميعها على حظر رفع أي علم سوى العلمين اللبناني والفاتيكاني. وتجند لبنان كله لاستقبال هذا الحبر الجليل، وتجمدت جميع الخلافات والتوترات والمناحرات والمكائد والدسائس من أجل رئيس أكبر مجموعة دينية في العالم. وشعر كل من اقترب منه برهبة وهيبة أرغمته على الانحناء أمامه وتقبيل يديه. وحرص اللبنانيون على أدق تفاصيل البرتوكول التي جاءت بغاية الاكتمال والتعبير عن المحبة والاحترام والتقدير لشخص البابا وللكنيسة التي يمثلها، أليس هو خليفة بطرس على الأرض؟
ومنذ هبوط طائرته في مطار رفيق الحريري في بيروت، باشر بلقاءاته مع الرؤساء اللبنانيين الحاضرين والسابقين، وجميع الشخصيات التي تلعب أدوارها في المعترك السياسي اللبناني. ووفقا لمراسم الاستقبال التي كانت على مختلف المستويات والأصعدة، الرسمية والشعبية، رجالا ونساءً، شيبا وشبانا، هتف الجميع "المجد لله في العلا وفي الشرق السلام" و"مبارك الآتي باسم الرب"، و "كلنا نحبك يا بابا". وأخذت اللقاءات تتسم بطابع الإنسانية، والتطلع نحو العلا، والتسامي عن البغضاء، والترفع عن الكراهية والتمسك بالمحبة والعمل على التسامح والاقتداء بالمسيح ورسله، ورفع الصلوات وتجديد الأمل نحو مستقبل أفضل للشباب والأجيال القادمة.
فالتقى بكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك في حريصا ووقع هناك الإرشاد الرسولي، وقال بهذا الصدد: "أيَّتها الكنائسُ الحبيبة في الشرق الأوسط، انهَلي من ينبوع الخلاص الأصيل الَّذي تحقّق على هذه الأراضي الفريدة والمحبوبة بين الجميع". 
وخلص إلى القول: "بعد التّوقيع على الإرشاد الرسوليّ للكنيسة في الشرق الأوسط، يُسعدُني أن أُسلّمه لجميعِ الكنائس الخاصة من خلالكم، يا أصحاب الغبطة وأيّها الأساقفة في الشرق الأوسط. والبدء بدراستها وتطبيقها من قبل جميع العاملين في الكنيسة، رعاةً وأشخاصاً مكرّسين وعلمانيين، ليجد كلُّ فرد فرحة جديدة للاستمرار في رسالته، مرتكزا على الشجاعة والقوّة اللتين سيحصل عليهما، ليبدأ في تطبيق رسالة الشركة والشهادة المُنبَثِقة، بحسب مختلف الأبعاد الإنسانيِّة والعقائديِّة والكنسيِّة والروحيِّة والرعويِّة، من هذا الإرشاد".
ثم اجتمع بهيئات وأركان الدولة اللبنانية في قصر الرئاسة في بعبدا، وسار في طرقات بيروت متحسسا نبض الشارع ومتأثرا من حفاوة الاستقبال، ثم التقى مع الشبيبة وحمّلهم رسالة الشجاعة وعدم الخوف حتى لو كانوا قطيعا صغيرا، وخاطبهم خطابا مباشرا: "أعرفُ الصعوبات الَّتي تعترض حياتكم اليوميِّة، بسبب غياب الاستقرار والأمن، صعوبة إيجاد عملٍ أو الشعور بالوحدة والإقصاء. في عالمٍ دائمِ الحركة، تجدون أنفسَكم أمام تحدّيّات كثيرة وعسيرة. فحتَّى البطالة والأخطار يجب ألا تدفعكم لتجرّع "العسل المُرّ" للهجرة، مع الاغتراب والغُربة من أجل مستقبل غير أكيد. تصرَّفوا كصنّاعٍ لمستقبل بلدكم، وقوموا بدوركم في المجتمع وفي الكنيسة".
وأضاف: "لكم مكان مميّز في قلبي وفي الكنيسة جمعاء، لأنَّ الكنيسةَ دائماً فَتيِّةٌ! الكنيسةُ تثقُ فيكم. إنّها تعتمدُ عليكم. كونوا شباباً في الكنيسة! كونوا شباباً مع الكنيسة! الكنيسة تحتاجُ لحماسكم ولإبداعكم! الفُتُوَّةُ هي وقت الاستلهام من المُثُل الرفيعة وهي فترةُ الدراسة للاستعداد لمهنة ما وللمستقبل".
وطالبهم قداسته: "كونوا الحاملين محبَّة المسيح! كيف؟ بالالتجاء غير المشروط لله، أبيه، لأنَّه مقياس كلّ ما هو صالح وحقّ وطيّب. تأملوا كلمة الله! واكتشفوا منفعة وآنية الإنجيل. صلّوا! فالصلاة، والأسرار المقدَّسة هي الوسائل الأكيدة والفعَّالة لكي تكونوا مسيحيِّين وتحيوا مُتأصِّلينَ راسِخينَ فيهِ، ثابِتينَ في الإيمانِ الَّذي تَعَلَّمتُموهُ".
واجتمع بالشعب كله في قداس الأحد المهيب، وخصّ الأرمن بزيارة كريمة، وجمع في لقاء واحد أقطاب الكنائس الأرثوذكسية والسريانية والأشورية وغيرها، وحمل رسائل المديح والثناء والعمل في نطاق الحياة المشتركة والفعالة في لبنان والشرق من العلماء والمفتين المسلمين والدروز، الذين أكدوا له أن الشرق لن يكون بدون الوجود المسيحي الإسلامي المشترك.
وعندما ارتقت طائرته الأجواء مغادرا الأراضي اللبنانية شعر الشرق برمته أنه لم يرتو ولم يشبع من عظات هذا الطوباوي، ولم يكتف من حكمته وسعة اطلاعه، ولم يودعه بكلمات الوداع والألم والحسرة، بل بأمنيات اللقاء القريب المتجدد. والوعد بأن الإرشاد الرسولي سيكون خارطة طريق الشرق، للحياة الكريمة للمسيحيين والمسلمين على حد سواء.
ونحن أهل الأرض المقدسة، الذين واكبنا هذه الزيارة في إطلالة قداسته إلى الشرق شعرنا بأننا مستندون على أسس إيمانية متينة، وأن إنجيلنا المقدس هو نهج حياتنا، وقد تعززت فينا أواصر العلاقات الوثيقة مع أبناء الديانات والشعوب الأخرى التي تعيش في هذه الديار المقدسة.
تقرير: الهام مرشي ونايف خوري