أحد الشعانين في القدس: خبرة يَجدُر عيشها | Custodia Terrae Sanctae

أحد الشعانين في القدس: خبرة يَجدُر عيشها

إنها الساعة السابعة صباحاً، وقد بدأ الدخول الإحتفالي لغبطة البطريرك اللاتيني، المونسينيور فؤاد الطوال، إلى كنيسة القيامة. وفي هذه الساعة المبكرة، لم تكن الجماهير الكبيرة كلها قد وصلت بعد.

ففي هذا العام، تحتفل سائر الكنائس بعيد الفصح معاً. ونعني بسائر الكنائس، الطوائف الخمسة الموجودة في القبر المقدس، والتي احتفلت معاً في هذا اليوم، بدخول يسوع المشيحاني إلى المدينة المقدسة. وتقيم هذه الكنائس احتفالاتها كل واحدة في المصلى المخصص لها داخل كنيسة القيامة، ووفقاً لتقاليدها ولغاتها الليتورجية المتنوّعة.

بدأ أولاً الأقباط والسريان. ثم الكنيسة اللاتينية التي شرعت برتبة تبريك أغصان الزيتون وأفرع النخيل، وتوزيعها على المؤمنين، أمام قبر المسيح الفارغ في أجواء من الصمت النسبي. ثم انطلق الكهنة فالرهبان الفرنسيسكان والطلبة الإكليريكيين، ومن خلفهم المؤمنين جميعاً، في تطواف ثلاث مرّات حول القبر المقدس. يقول لنا بييرلو، وهو أحد المتطوعين الفرنسيين في الأرض المقدسة الذي يشارك لأول مرّة في هذه الرتبة: "إنها لحظة مؤثرّة وجميلة للغاية". ومما يلفت النظر خلال هذا التطواف هي الألوان الكثيرة التي تزهو بها الكنيسة، والألحان العذبة التي يرافقها العزف على الأرغن وصوت سعف النخيل وهي ترتعش بفرح بين أيدي المحتفلين، بينما تطلق النساء المصريات الزغاليط في كل مرّة يعبر فيها التطواف اللاتيني من أمام مصلى كنيستهم القبطية، الملاصق لقبر المسيح.

وما أن انتهى التطواف، حتى توجه الجميع مع غبطة البطريرك نحو مذبح الظهور لمريم المجدلية حيث يُفترض أن تُقام الذبيحة الإلهية. وعند مذبح المجدليّة، قام ثلاثة من الرهبان الفرنسيسكان بترنيم انجيل الآلام رافعين أصواتهم أملاً في أن يسمعهم المؤمنون رغم الأصوات الكثيرة التي علت في كنيسة القيامة هذا اليوم. فالروم الأرثوذكس يحتفلون بليتورجيتهم في الكنيسة الخاصة بهم، والأقباط في الزاوية المخصصة لهم تحت قبة كنيسة القيامة. أمّا الأرمن، فهم يقيمون ليتورجيتهم في مصلى الصليب، ولكنهم يقرعون الأجراس باستمرار بالقرب من القبر المقدس.

قال لنا أحد الحجاج واسمه سيلفيو: "يا له من امتزاج في الأصوات لا يصدّق! لكنني أرى في ذلك أيضاً أمراً عظيماً، إذ أجد جوهر الإيمان الذي يوحدنا". أمّا خافيير، القادم من اسبانيا، فيرى "في النهاية، أننا جميعاً هنا للهدف نفسه".

نُذَكِّر قراءنا الأعزاء بأن الأسبوع المقدس في هذا العام سيكون كلّه كذلك. أمّا في هذا المساء، فإن المؤمنين جميعاً سيلتقون في بيت فاجي للإحتفال بدورة الشعانين.

شاهدوا أيضاً مقطع الفيديو الخاص بمركز الإعلام الفرنسيسكاني – الرجاء الضغط هنا

يا لها من دورة! إنها الساعة الثانية والنصف عصراً، وقد تجمع عدد هائل من المشاركين حول كنيسة بيت فاجي، وهي القرية التي انطلق منها يسوع تاركاً خلفه جبل الزيتون ليدخل مدينة القدس. من القرن الرابع ومسيحيو المدينة المقدسة يجتمعون هنا في كل عام ليسيرو معاً على خطى المسيح، حاملين في أيديهم سعفاً من النخيل وأغصاناً من الزيتون. وتحدّثنا هناك إلى أحد المشاركين في التطواف، اسمه فيجاي، وهو شاب هندي له من العمر 25 عاماً، فقال لنا: "جئت إلى هنا لتسبيح يسوع. فهو الشخص الذي بمثال حياته قد منحنا الأمل والرجاء". شارك الرهبان الفرنسيسكان أيضاً في هذا التطواف العظيم، بالعزف على الغيتار والرقص. ثم التقينا بماري بول، وهي امرأة فرنسية، من أفينيو، أتت كحاجّةٍ إلى الأرض المقدسة، فقالت لنا: "لو تخيلت يوماً بأن احتفال أحد الشعانين في القدس كذلك، لما انتظرت أربعين سنة كي آتي إلى هنا!"

وعند اللوحة التي كتب عليها: "رعيّة نابلس"، التقينا بمريم، وهي امرأة فلسطينية تشارك للمرة الأولى في دورة الشعانين في القدس. فقالت لنا: "كان يجب أن أحصل على تصريح خاص كي استطيع العبور إلى القدس، والمشاركة في الدورة. وقد حالفني الحظ في هذا العام، اذ تمكّنتُ، مع آخرين غيري، من الحصول على تصريح للعبور. لكنني أعتقد بأن العيد يكون أجمل لو استطعنا جميعاً المشاركة فيه". تعني مريم بكلمة "جميعاً"، ولا شك، اخوتها الفلسطينيين المسيحيين المقيمين في غزة وسائر الضفة الغربية، الذين لم يحصل الكثيرون منهم في هذا العام على تصريح للعبور إلى القدس. وقد كُتِبَ على اللوحة التي رفعوها: "فلسطين تطالب بالعدالة وتريد السلام". انها رسالة قويّة، ردَّدُها غبطة البطريرك أثناء كلمته التي ألقاها عند نهاية التطواف وإلى جانبه حارس الأراضي المقدسة وسيادة المطران يوسف جول زريعي.

وصل التطواف أخيراً إلى محطته الأخيرة، عند دير القديسة حنّة. وبدأت الجموع تتزاحم للدخول وهي لا تزال ترنّم وترقص بفرح وايمان. ثم ألقى غبطة البطريرك كلمة بالفرنسية قال فيها: "لا نستطيع القول بأننا نتمتع بالسلام لمجرد غياب الدبابات والجنود عن شوارع القدس. وبالمناسبة، فإن مسيحيي القدس لم يعرفوا يوماً طعم السلام. لقد سرنا طوال هذا اليوم مع يسوع، وكانت مسيرتنا هذه بمثابة دعوة لنا. وإننا نعلن رفضنا لحالة الخوف المستمر وعدم الإستقرار في البلاد. وبينما نبدأ في هذا اليوم الأسبوع المقدس، نرفع صلاتنا طالبين النعمة كي نظلّ أمناء للمسيح، رافضين الخضوع لليأس".

شاهدوا أيضاً مقطع الفيديو الخاص بمركز الإعلام الفرنسيسكاني – الرجاء الضغط هنا